هل صحيح أن الجن يعيشون في الأماكن المهجورة كالجبال والصحارى والبحار والقرى؟
قلت سأسرد لكم ما صح وما لم يصح في هذه المسألة بالأدلة
قلت أصحاب هذا القول أخذوا هذا الشيء من حديث بلال أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (ج1/ص371) وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (ص137) وأبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (ج5/ص1683) ومن طريقه أبو نعيم في دلائل النبوة (ص597) كلهم من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري،[ثنا عبد الله بن كثير بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري، ثم الزرقي]، ثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه، عن جده، عن بلال بن الحارث، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فخرج لحاجته وكان إذا خرج لحاجته يبعد، فأتيته بإداوة من ماء، فانطلق، فسمعت عنده خصومة رجال، ولغطا لم أسمع مثلها، فجاء، فقال: بلال فقلت: بلال، قال: أمعك ماء؟ قلت: نعم، قال: أصبت فأخذه مني فتوضأ، قلت: يا رسول الله، سمعت عندك خصومة رجال ولغطا ما سمعت أحد من ألسنتهم، قال: اختصم عندي الجن المسلمون والجن المشركون، سألوني أن أسكنهم فأسكنت المسلمين الجلس، وأسكنت المشركين الغور قال عبد الله بن كثير: قلت لكثير: ما الجلس، وما الغور؟ قال: الجلس القرى والجبال، والغور ما بين الجبال والبحار قال كثير: ما رأينا أحدا أصيب بالجلس إلا سلم، ولا أصيب أحد بالغور إلا لم يكد يسلم. سقط عبد الله بن كثير من إسناد الطبراني
- عبد الله بن كثير بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري ضعيف قال ابن حبان كثير التخليط فيما يروي لا يحتج به إلا فيما وافق الثقات (المجروحين لابن حبان ج2/ص10) وقال يحيى بن معين شيخ كان يجالسنا في المسجد صاحب مُغَنِّيات لم يكن بشيء قلت ووقع عند ابن حبان معميات (تاريخ ابن أبي خيثمة السفر الثالث ج2/ص358)
- كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني متروك وحسن الرأي فيه البخاري قال الشافعي ركن من أركان الكذب (انظر المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي ص5966 ومناقب الشافعي للبيهقي ج1/ص547) وقال أبو داود السجستاني كان أحد الكذابين (تهذيب الكمال للمزي ج24/ص138) وقال ابن حبان منكر الحديث جداً يروي عن أبيه عن جده بنسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب (المجروحين لابن حبان ت حمدي ج15/ص226) وقال أحمد بن حنبل حسين بن عبد الله بن ضميرة وكثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف لا يسويان شيئاً جميعاً متقاربان ليس بشيء وضرب أبي على حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ولم يحدثنا بها في المسند ومرة قال منكر الحديث ليس بشئ (العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه برقم 4922 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج7/ص154) وقال البرذعي لأبي زرعة الرازي أحاديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده؟ قال: واهية قلت: ممن وهنها؟ قال: من كثير واهي الحديث ليس بقوي وقال أبو حاتم الرازي ليس بالمتين (الضعفاء لأبي زرعة ج2/ص501 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج7/ص154) وقال يحيى بن معين من رواية ابن أبي مريم عنه ليس بشيء، ولا يكتب ومن رواية الدوري حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ليس هو بشيء (الكامل لابن عدي ج7/ص187 تاريخ ابن معين رواية الدوري برقم 1087) وقال النسائي متروك الحديث (الضعفاء والمتروكون للنسائي برقم 504) وقال الدارقطني كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده متروك (سؤالات السلمي للدارقطني والضعفاء والمتروكون للدارقطني برقم 312)
- أبيه مجهول
وأما بالنسبة للبحار
فعرش إبليس على البحر ويبعث منه سراياه والدليل أخرج مسلم في صحيحه (برقم 67) من طريق الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه. انتهى وقال أبو موسى الأشعري -وله حكم الرفع- إذا أصبح إبليس بث جنوده في الأرض فيقول: من أضل مسلما ألبسته التاج فيقول له القائل: لم أزل بفلان حتى طلق امرأته، قال: يوشك أن يتزوج ويقول آخر: لم أزل بفلان حتى عق، قال: يوشك أن يبر ويقول آخر: لم أزل بفلان حتى زنى، قال: أنت ويقول آخر: لم أزل بفلان حتى شرب الخمر قال: أنت قال: ويقول آخر لم أزل بفلان حتى قتل فيقول: أنت أنت ويلبسه التاج. (انظر تخريج هذا الحديث هنا)
الخلاء أي موضع قضاء الحاجة ونحن نسميه المرحاض
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث. (انظر تخريج الحديث هنا) الحشوش قال أبو عبيد الهروي في غريب الحديث (ج4/ص10) وَأما الحَشّ فالبستان وَفِيه لُغَتَانِ: الحُشّ والحَشّ وَجمعه حُشّان حَشّان وَإِنَّمَا سمي مَوضِع الْخَلَاء حَشا بِهَذَا لأَنهم كَانُوا يقضون حوائجهم فِي الْبَسَاتِين. انتهى ومحتضرة أي: تحضُرها الشياطين وقال ابن حبان في صحيحه (ج4/ص253): الخبث والخبائث: جمع الذكور والإناث من الشياطين، يقال للواحد من ذكران الشياطين خبيث، والاثنين خبيثان، والثلاث خبائث.
الجن في الحيات
أخرج مسلم في صحيحه (برقم 139) في قصة قتل الفتى والحية وفي آخرها قال الرسول صلى الله عليه وسلم "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ" وفي رواية التي بعد هذه عند مسلم "إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا، فَإِنْ ذَهَبَ، وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ"
وعوامر البيوت أي: الحيات التي تسكن البيوت
المواطن التي تجلس فيها الإبل
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف ت كمال (ج1/ص337) وأحمد بن حنبل في المسند ط الرسالة (ج34/ص164) كلاهما يونس بن عبيد وأبو سفيان بن العلاء عن الحسن عن عبد الله بن مغفل المزني قال قال النبي صلى الله عليه وسلم صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل فإنها خلقت من الشياطين. قال أبو حاتم بن حبان البستي في صحيحه (ج4/ص601): قوله صلى الله عليه وسلم "فإنها خلقت من الشياطين" أراد به أن معها الشياطين ولكن هذه الزيادة "فإنها خلقت من الشياطين" لا تصح وقد ضعفها الألباني في تراجعته لتفرد الحسن البصري بها وذلك لأنه مدلس وقد عنعن وقد روى هذا الحديث بعض الصحابة وليس فيها زيادة (فإنها خلقت من الشياطين)
الأسواق
أخرجه مسلم في صحيحه (برقم 100) عن سلمان الفارسي، قال: لا تكونن إن استطعت، أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته. لكن هذا موقوف وسلمان قد أخذ عن أهل الكتاب ولهذا فلا يأخذ حكم الرفع وهذا لا يعني أن الشياطين لا تتواجد في السوق لكن أقصد أن الخبر ليس مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
هذا والله تعالى أعلم