لا شك أن قول ابن عباس في الزينة الظاهر هو الوجه والكفان (انظر تخريجه هنا) ولكن في تفسير إدناء الجلباب البعض استشهد بزيادة ظاهرها تدل على تغطية الوجه ليميلوا بقول ابن عباس إلى جانبهم وحقيقة أقول أنه بشكل عام الفقه وعلم الحديث مات في هذا الزمن لأن الناس تقلد بشكل غير طبيعي في الفقه في كثير من المسائل لكن لو تمعن فيها قليلاً واجتهد وحرك دماغه سيصل إلى الصواب والله المستعان
نعود إلى مسألتنا
قلت قول ابن عباس في تفسير الإدناء كله ورد في حالة الإحرام وهو إظهار الوجه وليس تغطية الوجه!
1- أبو الشعثاء عن ابن عباس
أخرجه أبو داود السجستاني في مسائل الإمام أحمد باب المحرم يغطي رأسه (ص154) ثنا أحمد، قال: ثنا يحيى، وروح، عن ابن جريج، قال: آخر ما قال لي عطاء أخبرني أبو الشعثاء، أن ابن عباس، قال: تدني الجلباب إلى وجهها، ولا تضرب به. إسناده صحيح وتدني أي تقرب الجلباب إلى وجهها ولا تضرب به يعني لا تغطيه
قال روح في حديثه، قلت: وما لا تضرب به؟ فأشار لي كما تجلبب المرأة، ثم أشار لي ما على خدها من الجلباب، قال: تعطفه وتضرب به على وجهها، كما هو مسدول على وجهها.
قلت زيادة روح هذه شاذة خالفه يحيى وهو ابن سعيد القطان إمام معروف في الحديث جبل في الحفظ وللأثر طريق آخر خفي على الكثيرين يدل على شذوذ هذه الزيادة كما سيأتي
وأخرجه الشافعي في مسنده (ص118) ومن طريقه البيهقي في معرفة السنن والآثار (ج7/ص141) أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: تدلي عليها من جلابيبها، ولا تضرب به. قلت: وما لا تضرب به، فأشار لي كما تجلبب المرأة، ثم أشار إلى ما على خدها من الجلباب فقال: لا تغطيه [وعند البيهقي: لا تعطفه] فتضرب به على وجهها، فذلك الذي لا [وعند البيهقي: بدون "لا"] يبقى عليها، ولكن تسدله على وجهها كما هو مسدولا، ولا تقلبه، ولا تضرب به، ولا تعطفه.
أسقط سعيد بن سالم أبو الشعثاء فهو صدوق ليس بذاك الثبت وخالف روح بن عبادة في الزيادة في بعض متنه
2- عطاء عن ابن عباس
أخرجه ابن حزم في المحلى بالآثار مسألة تغطية الرأس للمحرم (ج5/ص79) قال ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: المحرم يغطي ما دون الحاجب والمرأة تسدل ثوبها من قبل قفاها على هامتها. رجاله ثقات وقد تكلم يحيى القطان نفسه في رواية حماد عن قيس لكن ذلك لا يضر لأنه شاهد وهذه الطريق تحسم الخلاف
معنى ثوبها أي جلبابها ومعنى قفاها أي مؤخرة رأسها من الخلف عند الرقبة ومعنى هامتها أي رأسها كذا في المعجم الوسيط الهامة الرأس وأعلاه أو وسطه وفي لسان العرب الهام جمع هامة وهي أعلى الرأس وأقصى حد للهامة هي الناصية أي الجبهة فقطعاً الوجه ظاهر
السؤال هل قول ابن حزم (ومن طريق حماد بن سلمة) يعني منقطع؟
الجواب: كلا لأنه اشترط الصحة في كتابه بأسانيد صحيحة كما هو مسطر في مقدمته وتتبعت كتابه وبحثت فيه فوجدت الإسناد كاملاً وهو حدثنا عبد الله بن ربيع (أبو الحسن ابن بنوش ثقة ثبت) ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد (ابن الجباب القرطبي ثقة حافظ) ثنا علي بن عبد العزيز (البغوي ثقة) ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس.
- عبد الله بن محمد بن عثمان هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان بن سعيد بن أبي سعيد هاشم بن إسماعيل ابن سفيان بن كنانة بن نعيم الأسدي من أهل قرطبة قال ابن الفرضي سمع أحمد بن خالد وقال وكان ضابطاً لكتبه صدوقاً في روايته ثقة في نقله (تاريخ الأندلس لابن الفرضي ج1/ص272-273)
بمعنى هو يضع الإسناد كاملاً ومن ثم يكرره اختصاراً لكي لا يطول وتجد الأسانيد موصولة في كتاب مقدمة المورد الأحلى في اختصار المحلى لابن الخليل العبدري بتحقيق محمد إبراهيم الكتاني صفحة 334
وأضرب مثالين لكن كتاب المورد الأحلى لمزيد من التفاصيل
- مثال (1)
قال ابن حزم ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: سمعت عمر يلبي غداة المزدلفة. فلو بحثت عن هذا الأثر في الكتب تجده عند الطحاوي في كتابه شرح معاني الآثار حدثنا محمد بن خزيمة قال: ثنا حجاج (هو ابن منهال) قال: ثنا حماد (هو ابن سلمة) عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلبي غداة المزدلفة. والإسناد كاملاً عند ابن حزم كما ذكرناه سابقاً وسنعيده هنا لتقارن حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس.
- مثال (2)
من نفس كتاب المحلى لابن حزم حيث يبين لنا ابن حزم نفسه سنده الكامل حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري: أنه قال: في مال العبد، قال: يزكيه العبد وبه إلى حماد بن سلمة عن قيس هو ابن سعد عن عطاء بن أبي رباح: أنه قال في زكاة مال العبد، قال: يزكيه المملوك.
هذا والله تعالى أعلم