قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في المحرمة: وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت. وفي لفظ: المحرمة تغطي وجهها إن شاءت.
قولها (إن شاءت) يعني الأمر عائد لها فإذا لم تشأ لم تغطي وجهها!
حكم الأثر: صحيح وهذا سواء أمام الرجال أم لم يكن هناك رجال وسيأتي الكلام في هذا بعد أن أبين صحته
1) معاذة عن عائشة
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (ج5/ص75) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو عمرو بن مطر ثنا يحيى بن محمد ثنا عبيد الله بن معاذ ثنا أبي ثنا شعبة عن يزيد الرشك عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها قالت: المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبا مسه ورس أو زعفران ولا تتبرقع ولا تلثم وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت.
إسناده صحيح وتسدل الثوب أي تسدل جلبابها وإن شاءت أي هي حرة سواء غطت أم لا
- أبو عبد الله الحافظ هو الحاكم ثقة صاحب المستدرك على الصحيحين
- وأبو عمرو بن مطر هو محمد بن جعفر قال عنه الحاكم العدل الزاهد ومرة العدل المأمون (المستدرك على الصحيحين للحاكم) وقال السمعاني العدل كان شيخاً عالماً فاضلاً زاهداً ورعاً (الأنساب للسمعاني ج12/ص314) وقال ابن الجوزي وكان له ضبط وإتقان وورع ووقع عند الجوزي خطأ ربما بسبب الناسخ أو تصحيف أنه ابن مظفر والصواب ابن مطر(المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي)
- ويحيى بن محمد هو أبو زكريا البختري قال الخطيب وكان ثقة (تاريخ بغداد للخطيب ت بشار ج16/ص338)
- وعبيد الله بن معاذ هو أبو عمرو العنبري قال أبو حاتم ثقة (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج5/ص335)
- وأبي هو معاذ بن معاذ بن نصر العنبري ثقة حافظ ثبت قال أحمد بن حنبل معاذ بن معاذ إليه المنتهى بالبصرة في التثبت (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج8/ص249) وقال يحيى بن سعيد القطان ما بالكوفة ولا بالبصرة مثل معاذ، ولا أبالي إذا تابعني من خالفني (التاريخ الكبير للبخاري ج7/ص366)
- وشعبة هو ابن الحجاج معروف ثقة حافظ متقن
- يزيد الرشك هو أبو الأزهر يزيد بن القاسم أو يزيد بن أبي يزيد الضبعي قال عنه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان ثقة وقال أحمد بن حنبل صالح الحديث وقال يحيى بن معين ثقة ومرة ليس به بأس وقال ابن سعد ثقة (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج9/ص298 وتاريخ ابن معين رواية الدارمي ص214 وكتاب من كلام أبي زكريا يحيى بن معين في الرجال رواية طهمان ص70 والطبقات الكبرى لابن سعد ط العلمية ج7/ص182)
- معاذة هي معاذة بنت عبد الله العدوية أم الصهباء قال عنها ابن معين ثقة (تاريخ ابن معين رواية الدارمي ص214) وقال ابن حبان كانت من العابدات (الثقات لابن حبان ج5/ص466)
ملحوظة:
أراد البعض رد لفظة (إن شاءت) لأنها تبيح كشف الوجه فقال ومن الاحتمالات أيضاً أن أحد الرواة ممن دون عائشة رضي الله عنها أراد أن يقول (المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت) فكررها مرة أخرى في آخره (إن شاءت)، أو قصد أن المحرمة (تسدل الثوب على وجهها) «بما شاءت» من خمار أو جلباب أو نحو ذلك من ملابسها سوى النقاب ونحوه، فنقل بدلا من ذلك (إن شاءت)، بدليل أن قول عائشة رضي الله عنها هذا مروي من عدة طرق عديدة ومخرج في أكثر من كتاب كما عند ابن أبي شيبة والبخاري تعليقا وغيرهما وليس فيها هذه الزيادة (إن شاءت) لمن تأمله] انتهى
الرد:
قلت سبحان الله دائماً الذين يوجبون تغطية الوجه يتأولون الأحاديث ويقولون احتمال كذا واحتمال كذا وكلها ظنون لا تغني من الحق شيئاً وهذا منها لأن هذه الطريق ليست الطريق الوحيدة! بل يوجد طريق آخر لهذا الأثر عن عائشة رضي الله عنها وفيها الزيادة التي تدحض هذا الاحتمال وهو
2) أم شبيب عن عائشة
أخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (ج2/ص46) حدثنا محمد بن خزيمة، قال: حدثنا حجاج بن منهال، قال: حدثنا حماد، عن أم شبيب العبدية، أن عائشة، قالت: المحرمة تغطي وجهها إن شاءت.
إسناده صحيح وفيه زيادة (إن شاءت) أيضا فمن يستطيع تضعيفها بعد هذين الطريقين الصحيحين ومن هنا تعلم أن احتمالاتهم ظنون وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم الظن أكذب الحديث!
- محمد بن خزيمة هو ابن راشد البصري أبو عمر قال الذهبي فأما محمد بن خزيمة شيخ الطحاوي فثقة مشهور (ميزان الاعتدال للذهبي) وقال ابن يونس وكان ثقة (تاريخ ابن يونس المصري ج2/ص203)
- حماد هو ابن سلمة ثقة من رجال البخاري ومسلم
- أم شبيب العبدية قال يحيى بن معين أم شبيب ثقة روى عنها حماد بن سلمة وسلام بن أبي مطيع (كتاب من كلام أبي زكريا يحيى بن معين في الرجال رواية طهمان ص105)
شبهة
قال بعض المخالفين قولها (إن شاءت) هو في حال لم يمر رجل أجنبي من أمامها وعندما يمر رجل من أمامها فإنها تسدل بثوبها على وجهها واستدلوا بحديث عائشة وهو من طريق يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عائشة قالت كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه.
والرد
أولا: هذا الإسناد ضعيف فيه يزيد بن أبي زياد ضعيف بسبب سوء حفظه واختلط بآخره وهو مدلس وقد عنعن ووضعه ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين وهم الذين لا يقبل حديثهم حتى يصرحوا بالتحديث وهذا واضح لا يخفى على طالب العلم واضطرب يزيد فيها فرواه مرة عن عائشة ومرة عن أم سلمة رضوان الله عليهما حيث روى سفيان بن عيينة وبشر بن مطر كما عند الطبراني في معجمه والدارقطني في سننه عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن أم سلمة (انظر تخريج أثر عائشة بالتفصيل في هذه المقالة)
ثانياً: مع ضعف السند فليس فيه التقييد الذي وضعوه لأن قول عائشة مقدم على فعلها وعائشة قد نقل عنها اثنان أم شبيب ومعاذة وليس فيه ذكر الرجال البتة! فهل نسيت! وأيضاً الفعل لا يقتضي الوجوب بل الاستحباب! فمثلاً الرسول يصوم الاثنين وليس هو بواجب! وأما الكلام العاطفي والغيرة فالدين ليس بالعاطفة والغيرة وإلا فاذهب واسأل النساء هل يحبن تعدد الزوجات! فكيف ستكون إجابتهم العاطفية؟ مع أن الله عز وجل أباح ذلك
قلت وقد خرجت قول أم المؤمنين عائشة في الزينة الظاهرة في مقالة أخرى (انظرها هنا)
ثالثاً: حديث الخثعمية المشهور بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم يشهد لقول أم المؤمنين عائشة وينسف الاحتمال الذي وضعوه حيث لوى الرسول عنق الفضل ولم ينكر على الخثعمية كشفها لوجهها! حتى أن الحافظ ابن حجر أقر أنها كانت كاشفة لوجهها! (انظر فتح الباري لابن حجر ج11/ص10) والبعض يقول الخثعمية لم تكن كاشفة لوجهها! فقط ليتأولوا بتأويلات مرجوحة بعيدة
رابعاً: صح عن الصحابي ابن عمر أنه يجب كشف الوجه في الإحرام بشكل واضح وصريح أخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (ج2/ص47) وابن حزم في المحلى بالآثار (ج5/ص78) بتصرف حدثنا محمد بن خزيمة، قال: حدثنا حجاج - هو ابن منهال -، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، عن محمد بن المنكدر، قال: رأى ابن عمر امرأة قد سدلت ثوبها على وجهها وهي محرمة، فقال لها اكشفي وجهك، فإنما حرمة المرأة في وجهها.
إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيحين
خامساً: صح عن ابن عباس ذلك أيضاً أي في الإحرام (انظر تخريجه هنا)
فكل هذا يؤيد قول عائشة في حرية الاختيار بكشف الوجه ويدحض قولهم أنه يجب تغطية الوجه أمام الأجانب
ومن العجائب عندما ينتقدون حديث الرسول من رواية عائشة التي تقول بظهور الوجه يقولون ضعيف فمرة روي عن عائشة ومرة روي عن أم سلمة فيقولون فيه اضطراب وعندما هم يحتجون بما لديهم فلا اضطراب!
هذا والله المستعان