عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا اشترى جارية كشف عن ساقها ووضع يده بين ثدييها وعلى عجزها وكأنه كان يضعها عليها من وراء الثوب.
قلت قبل أن أبدأ بتخريج هذا الأثر أقول هناك بعض الأشياء التي يجب أن تعرفها
- صح عن أبي موسى الأشعري أنه قال ألا لا أعرفن أحداً أراد أن يشتري جارية فينظر إلى ما فوق الركبة أو دون السرة لا يفعل ذلك أحد إلا عاقبته (انظر تخريجه في هذه المقالة بالتفصيل)
- هل فعل ابن عمر هذا حجة؟ الجواب كلا فالحجة كما هو معروف عندنا هو القرآن والسنة أو إجماع الصحابة وكما قال الله جل ثناؤه {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}، فمثلاً صح عن ابن عباس أنه قال كان إبليس من أشراف الملائكة (انظر تخريج أثر ابن عباس في هذه المقالة) فهل هذا حجة؟ الجواب كلا فالقرآن والسنة تخالفانه في أن إبليس من الجن وصح عن ابن عباس نفسه أنه قال ليس أحد إلا يؤخذ من قوله ويدع غير النبي صلى الله عليه وسلم (انظر تخريجه في هذه المقالة)
وأيضاً النساء هن نساء تم سبيهم من الحرب وليس أننا ندخل ونحاربهم ونقول سنسبي نسائكم هكذا بدون أن يكون هناك حرب فإذا لماذا إذاً وضعت الجزية عليهم وهم صاغرون؟، فلو كان الأمر كما يظنه بعضهم كنا لم نضع الجزية وقتلنا رجالهم كلهم وسبينا نسائهم جميعاً وانتهى!
وأما حكم الأثر عن ابن عمر فهو: صحيح وقد زعم البعض أن إسناده منقطع فغلط وخلط خلطاً شديداً وجاء بالطامات في مقالته كما سيأتي بيان ذلك
والآن نبدأ
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ط العلمية (ج5/ص537) أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل، ببغداد، أنا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا الحسن بن علي بن عفان، ثنا ابن نمير، عن عبيد الله بن عمر - هو العدوي ثقة -، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان إذا اشترى جارية كشف عن ساقها ووضع يده بين ثدييها، وعلى عجزها وكأنه كان يضعها عليها من وراء الثوب.
وسيأتي ما يدل على أن هذا كان بعد الشراء
فقال بعضهم أن إسناده منقطع ويقول أن الألباني تساهل حيث قال هذا الكاتب "عبيد الله بن عمر توفى نحو سنة 145 أو 147 بينما ولد ابن نمير بعد سنة 160" أي أن ابن نمير ولد بعد عبيد الله بن عمر وبالتالي فلم يسمع منه وعليه فالإسناد منقطع
قلت وهذا خلط شديد منه فابن نمير هذا هو الأب "عبد الله بن نمير" ولد 115 وتوفي 199 بينما ابنه "محمد بن عبد الله بن نمير" هو الذي ولد في 160 فظن هذا الكاتب أن "ابن نمير" هو الابن محمد ثم بنى عليه وقال إسناده منقطع ولا شك أنه مخطئ في ذلك والحسن بن علي بن عفان الراوي عنه يروي عن عبد الله بن نمير وقد صرح ذلك البيهقي في الكثير من المواضع في مصنفاته وعلى سبيل المثال (انظر كتاب السنن الكبرى للبيهقي ط العلمية (ج1/ص46) لترى أن الحسن بن علي بن عفان يروي عن "عبد الله بن نمير" وليس "محمد بن عبد الله بن نمير"
- إسماعيل بن محمد الصفار هو أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح بن عبد الرحمن النحوي صاحب المبرد قال الدارقطني ثقة (تاريخ بغداد للخطيب ت بشار ج7/ص301)
- الحسن بن علي بن عفان هو أبو محمد العامري الكوفي قال ابن أبي حاتم الرازي كتبنا عنه وهو صدوق (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج3/ص22) وقال الدارقطني ثقة (سؤالات الحاكم للدارقطني ص108) وقال مسلمة بن قاسم الأندلسي كوفي ثقة (التراجم الساقطة من كتاب إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي ج1/ص98)
وقال ابن حزم في المحلى بالآثار (ج9/ص162) صح عن ابن عمر إباحة النظر إلى ساقها وبطنها وظهرها، ويضع يده على عجزها وصدرها. انتهى
وسيأتي عن عطاء ومجاهد كلاهما عن ابن عمر في أمر الثديين
وقد توبع عبد الله بن نمير
أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف ت الشثري (ج11/ص310) حدثنا علي بن مسهر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا أراد أن يشتري الجارية وضع يده على أليتيها وبين فخذيها وربما كشف عن ساقيها. وهذا إسناد صحيح
لكن زعم الكاتب أن هذا من غرائب "علي بن مسهر" وبالتالي لا يصح قلت تالله أنه هو الهوى فهو متابع ولم يتفرد بهذا فكان ماذا؟! هل سنمشي على آراء الملحدين إذا لم يعجبهم أثرٌ أو حديثٌ ما ذهبنا نحن نضعف الأثر بكافة الوسائل فقط لكي نرد عليهم وكأنهم إذا انتقدوا شيئاً كان هو الحق ويجب أن نقول بخلافه حتى يكون الصحيح!
قوله (أليتيها) مثنى مفرده "ألية" أي موخرة المرأة أي عجيزتها
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف ط التأصيل الثانية (ج7/ص236-237) عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن عبد الله بن عمر. ومعمر، عن أيوب، عن نافع، أن ابن عمر كان إذا أراد أن يشتري جارية، فواطأهم على ثمن، وضع يده على عجزها، وينظر إلى ساقيها وَقُبُلِهَا يعني بطنها. صحيح
وهنا الأثر يشير إلى أن هذا كان بعد الشراء بدليل قوله (ذا أراد أن يشتري جارية، فواطأهم على ثمن) أي بعد أن يتفقوا على سعر معين يضع ابن عمر يده على عجزها وينظر إلى ساقيها وَقُبُلِهَا يعني بطنها
قلت لا أدري عبد الله بن عمر تصحيف وصوابه "عبيد الله" بالتصغير أم هو حقاً "عبد الله" لأنهما أخوان وعلى كل حال فهو متابع
ثم قال عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر ... مثله. وهذا إسناد صحيح
وقوله (مثله) أي مثل المتن السابق "أن ابن عمر كان إذا أراد أن يشتري جارية، فواطأهم على ثمن، وضع يده على عجزها، وينظر إلى ساقيها وَقُبُلِهَا يعني بطنها"
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف ط التأصيل الثانية (ج7/ص238) عن ابن جريج، عن نافع، أن ابن عمر كان يكشف عن ظهرها، وبطنها، وساقها، ويضع يده على عجزها. صحيح وإن كان ابن جريج مدلساً لأنه متابع وللأثر طرق أخرى وقال يحيى بن سعيد القطان ابن جريج أثبت من مالك في نافع (تاريخ ابن أبي خيثمة السفر الثالث ط الفاروق ج2/ص217)
عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر
أخرجه عبد الرزاق في المصنف ط التأصيل الثانية (ج7/ص236) عن ابن جريج، عن عطاء قال: قلت له: الرجل يشتري الأمة، أينظر إلى ساقها، وقد حاضت، أو إلى بطنها؟ قال نعم، قال عطاء: كان ابن عمر يضع يده بين ثدييها، وينظر إلى بطنها، وينظر إلى ساقها، أو يأمر به.
قال أحمد بن حنبل عطاء بن أبي رباح قد رأى ابن عمر ولم يسمع منه (انظر المراسيل لابن أبي حاتم الرازي ص154) لكن هنا رؤية وليس سماع ولعل عطاء أخذ هذا من مجاهد كما سيأتي ومجاهد سمع من ابن عمر وصحبه
مجاهد عن ابن عمر
أخرجه عبد الرزاق في المصنف ط التأصيل الثانية (ج7/ص237) عن معمر، عن عمرو بن دينار، عن مجاهد قال: مر ابن عمر على قوم يبتاعون جارية، فلما رأوه وهم يقلبونها، أمسكوا عن ذلك، فجاءهم ابن عمر، فكشف عن ساقها، ثم دفع في صدرها، وقال: اشتروا. إسناده صحيح
وقد توبع معمر بن راشد أخرجه عبد الرزاق في المصنف ط التأصيل الثانية (ج7/ص237) عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر في السوق، فأبصر جارية تباع، فكشف عن ساقها، وصك في صدرها، وقال: اشتروا، يريهم أنه لا بأس بذلك.
قوله (دفع في صدرها) و(وصك في صدرها) واحد ولعله يقصد بهما وضع يده بين ثدييها
وهذا إسناد صحيح متصل
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف ط التأصيل الثانية (ج7/ص237) بتصرف عن ابن عيينة ومعمر كلاهما عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: وضع ابن عمر يده بين ثدييها، ثم هزها.
إسناد صحيح وأما رواية ابن أبي نجيح للتفسير عن مجاهد فهو من كتاب الثقة القاسم بن أبي بزة ولكن ليس هذا من التفسير
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ت الشثري (ج11/ص309) حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد قال: كنت مع ابن عمر أمشي في السوق فإذا نحن بناس من النخاسين قد اجتمعوا على جارية يقلبونها، فلما رأوا ابن عمر تنحوا وقالوا: ابن عمر قد جاء، فدنا منها ابن عمر فلمس شيئاً من جسدها وقال: أين أصحاب هذه الجارية، إنما هي سلعة. إسناد صحيح متصل
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف ط التأصيل الثانية (ج7/ص236) أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني عمرو أو أبو الزبير، عن ابن عمر، أنه وجد تجاراً مجتمعين على أمة، فكشف عن بعض ساقها، ووضع يده على بطنها.
- قوله أخبرني (عمرو أو أبو الزبير) أما عمرو فهو عمرو بن دينار ثقة وقد سمع من ابن عمر وأما أبو الزبير فهو محمد بن مسلم القرشي المكي ثقة مدلس وأيضاً سمع من ابن عمر
فلا شك أن هذا الأثر بمجموع الطرق ثابت! وليس كما زعم هذا الكاتب وذهب يرد الآثار برأيه لأنه لا يعجبه المتن وليس أن علم الحديث يردها فتأمل!
هذا والله أعلم