مدى صحة قال أحمد بن حنبل لم يصح عندنا أن أبا حنيفة كان يقول القرآن مخلوق

ما صحة خبر قال الإمام أحمد بن حنبل: لم يصح عندنا أن أبا حنيفة كان يقول: القرآن مخلوق

قال أحمد بن حنبل: لم يصح عندنا أن أبا حنيفة كان يقول: القرآن مخلوق.

حكم الخبر: لا يصح علّته أبو بكر المروذي وليس هو بصاحب أحمد بن حنبل كما سيأتي

قلت رد محمد بن شمس الدين رجل معاصر هذا الأثر وأعلّه بعلل

فأما العلة الأولى: فقال الخطيب نقلها عن النخعي دون ذكر الواسطة بينهما، فهي رواية منقطعة. انتهى

الرد: قلت ليست منقطعة فقد قال الخطيب في تاريخ بغداد ت بشار (ج15/ص516) أخبرنا الخلال، أخبرنا الحريري أن النخعي حدثهم قال: ...إلخ.

وقال النخعي: حدثنا نجيح بن إبراهيم...إلخ.

وقال النخعي: حدثنا أبو بكر المروذي قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: ‌لم ‌يصح ‌عندنا ‌أن ‌أبا ‌حنيفة كان يقول القرآن مخلوق.

فالخطيب ذكر حرف "و" قبل "قال النخعي" وهذا يعني بالإسناد السابق إليه، يعني هكذا أخبرنا الخلال، قال: أخبرنا الحريري، أن النخعي: حدثهم قال حدثنا أبو بكر المروذي، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل، يقول: فذكره.

وهذا شيء معروف في علم الحديث والعلماء يختصرون لكي لا يعيدوا السند مرة أخرى، وله أمثال كثيرة في كتب العلماء فلا أدري كيف قال هذا، يعني يجب أن لا يخفى عليه أمرٌ كهذا فهو معروف شائع فائض فالله المستعان

وأما بالنسبة للعلة الثانية: فقال النخعي هذا هو علي بن محمد بن الحسن النخعي المعروف بابن كاس، وثقه الخطيب، إلا أنَّه حنفي مبغِض لأهل الحديث فهو غير مأمون في هذا الأمر، ومما يدل على بغضه لأهل الحديث: قال الذهبي وَلَهُ كِتَابٌ يغضُّ فِيهِ مِنَ الشَّافِعِيِّ، وَرَدَّ عَلَيْهِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ.

الرد

قلت هذا تحامل من محمد بن شمس الدين على أبي حنيفة لأن هذا تكذيب للنخعي في سبيل رد الأثر بحجة أنه حنفي متعصب والرجل وثقه اثنان فأما الأول فهو الخطيب حيث قال كان ثقة فاضلاً عارفاً بالفقه على مذهب أبي حنيفة يقرئ القرآن، وأما الثاني فهو أبو الحسن محمد بن أحمد بن حماد بن سفيان الحافظ حيث قال كان من المقدمين فِي الفقه من الكوفيين الثقات (انظر تاريخ بغداد ت بشار ج13/ص540) وثق ابن سفيان الحافظ هذا أبو ذر الهروي في المعجم ت السريع ص375 حيث قال ثقة حافظ متقن

فلا يعني أن الرجل متعصب أنه سيكذب! لأن عدالته وصدقه ثابتان وليس هو علّته كما سيأتي والسلف كانوا يروون عن أهل البدع الذين كان الصدق فيهم فإما كذاب وإما صادق لا احتمال ثالث وروى صالح بن أحمد بن حنبل عن علي بن المديني قلت ليحيى بن سعيد القطان إن عبد الرحمن بن مهدي يقول: اترك من كان رأساً في بدعة يدعو إليها، قال: كيف نصنع بقتادة -قلت هو ثقة حافظ-، وابن أبي رواد، وعمر بن ذر، وذكر قوماً قال يحيى: إن ترك هذا الصنف ترك ناساً كثيراً (البغوي في زياداته على مسند ابن الجعد ط نادر ص164 والعقيلي في الضعفاء الكبير ط العلمية ج1/ص8 ووقع عنده صالح بن صالح وهو تصحيف)

- الخلال هو أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن البغدادي ثقة مشهور صاحب التصانيف
- الحريري هو أبو الحسن علي بن عمرو بن سهل ثقة (انظر ترجمته تاريخ بغداد ت بشار ج13/ص470)
- أبو بكر المَرُّوْذِيُّ ليس هو أحمد بن محمد بن الحجاج البغدادي مشهور صاحب الإمام أحمد بن حنبل المتوفى 275 هجري وسيأتي

ذكر بعضهم أن علّته هو أبو بكر المروذي وليس هو صاحب أحمد بن حنبل الذي اسمه أحمد بن محمد بن الحجاج بل هو أبو بكر محمد بن علي بن سهل المروزي بالزاي ودليله

قال الصالحي في عقود الجمان ط الإيمان (ص193) قال القاضي أبو القاسم بن كأس: حدثنا أبو بكر المروزي، قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: لم يصح عندنا أن أبا حنيفة قال القرآن مخلوق! فقلت: الحمد لله! يا أبا عبد الله هو من العلم بمنزلة، فقال: سبحان الله! هو من العلم والورع والزهد وإيثار الدار الآخرة بمحل لا يدركه فيه أحد، ولقد ضرب بالسياط على أن يلى القضاء لأبي جعفر المنصور فلم يفعل، فرحمة الله عليه و رضوانه.

قلتُ: هذا فيه زيادة وهي لا تحتمل فإن رأي أحمد بن حنبل فيه كالشمس وهو ذم الرأي

وأخرج الخطيب بتحقيق بشار من طريق علي بن محمد بن كاس النخعي حدثهم قال: حدثنا أبو ‌بكر ‌المروذي (1) قال: حدثنا النضر بن محمد قال: حدثنا يحيى بن النضر القرشي قال: كان والد أبي حنيفة من ‌نسا.

- (1) قال المحقق في م "المروزي"، محرفة. انتهى كلام المحقق. فقال وهي ليست محرفة. قلتُ: أصاب ليست محرفة

ثم قال وهذا رواه غيره

أخرجه أبو محمد عبد الله بن محمد بن يعقوب الحارثي البخاري في كشف الآثار الشريفة في مناقب الإمام أبي حنيفة (ج1/ص274 الأثر برقم 2616) حدثنا محمد بن علي بن سهل قال حدثنا النضر بن محمد، قال: حدثنا يحيى بن نصر، قال: كان والد أبي حنيفة من نسا وكان اسمه ثابتاً، وكان عمله كالرجل من سعة منن تيم الله من فخذ يقال له: بنو قفل من العرب، فأعتق ولد أبو حنيفة بالكوفة.

- محمد بن علي بن سهل هو أبو بكر المروزي لم أره في سند إلا وفيه المناكير (انظر هذه المقالة كمثال) قال أبو بكر الإسماعيلي: أبو بكر محمد بن علي بن سهل المروزي المفسر بجرجان لم يكن بذاك وقال ابن عدي وحدثنا ‌بأحاديث ‌لم ‌يوافق عليها منها (معجم أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيلي ط العلوم والحكم ج1/ص493 والكامل لابن عدي ط العلمية ج7/ص558)

قلتُ: وقد يقول قائل الحارثي المصنف فيه كلام قلت وهذا صحيح فهو ساقط لكن رواه غيره فقد وقفت على سند آخر له يدعم كلام هذا الرجل

أخرجه ابن عبد البر في الانتقاء ط القدسي (ص122) ونقل بدر الدين العيني في مغاني الأخيار ط العلمية (ج3/ص121) ونا ‌حكم ‌بن ‌المنذر بن سعيد رحمه الله قال نا يوسف بن أحمد بن يوسف قال نا محمد بن علي بن سهل المروزي قال نا النضر بن محمد بن يسار الشيباني قال نا يحيى بن نضر بن حاجب [وعند بدر الدين: يحيى بن نصير] قال كان مولد النعمان بن ثابت أبي حنيفة في نسا وكان أبوه عبدا مملوكا لرجل من ربيعة من بني تيم الله بن ثعلبة من فخذ يقال لهم بنو قفل وكان جمالا لعبد الله بن قفل وولد أبو حنيفة رحمه الله بالكوفة ومات ببغداد ليلة النصف من شعبان سنة خمسين ومائة.

قلتُ فعرفنا هنا أسماء شيوخه بأجدادهم

- النضر بن محمد بن يسار الشيباني مجهول لا يُعرف في الدنيا
- يحيى بن نضر بن حاجب قلت "نضر" بالمعجمة تصحيف صوابه "نصر" وهو أبو عبد الله القرشي روى عن أبي حنيفة وغيره قال عنه ابن عدي أرجو أنه لا بأس به وقال أبو زرعة ليس بشيء وقال أبو حاتم الرازي تكلم الناس فيه وقال أبو حاتم أيضاً قلت ليحيى بن نصر بن حاجب أي شيء قصتك أرى أصحاب الحديث منقبضين عنك قال كان بيني وبين بشر المريسي في الحداثة معرفة فلما قدمت أتاني مسلماً عليّ قيل لأبي فضعف حاله لذاك؟ قال: هو ادعى ذاك وعندي بليته قدم رجاله (الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي ج9/ص114 والجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج9/ص193)

فخرج النخعي من القصة بصدقه وأصبح الأمر في شيخه وهذا ما كنّا ندافع عنه في تعقبنا على محمد شمس الدين

قلت وأبو حنيفة رحمه الله ثبت عنه بخلق القرآن وثبت رجوعه (انظر الكلام عليه في هذه المقالة)

هذا والله أعلم

إرسال تعليق