الرد على من صحح سئل مالك عن الله ينزل في الليل إلى سماء الدنيا فقال ينزل أمره

سئل مالك عن الحديث عن الله ينزل في الليل إلى سماء الدنيا فقال مالك ينزل أمره.

قال ابن عبد البر في التمهيد ط المغربية (ج7/ص143) روى محمد بن علي الجبلي وكان من ثقات المسلمين بالقيروان قال حدثنا جامع بن سوادة بمصر قال حدثنا مطرف عن مالك بن أنس أنه سئل عن الحديث إن الله ينزل في الليل إلى سماء الدنيا فقال مالك يتنزل أمره.

فقال بعضهم: هذا سند صحيح. قلت سأسرد كلامه في نقاط وأرد عليها

قبل أن أبدأ فقد أخرجت في مقالة هذا الأثر في مقالة أخرى ولكن لم أتوسع في هذا الإسناد انظرها (هنا) وذلك لسهولته ثم أتفاجئ بمن يصححه! فقلت لأتوسع فيه وأفيد إخواني وأبيّن الحق فيه

النقطة الأولى:

قال الرجل: قال الجوزقاني (الحافظ) : أَنْبَأنَا أَبُو يعقوب يوسف بْن أَحْمَد بْن علي التاجر ، أَنْبَأنَا أَبُو القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عَبْد الله بْن منده ، أَنْبَأنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله بْن الأنصاري ، حَدَّثَنَا عَبْد الله بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر ، حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سراج ، حَدَّثَنَا جامع بْن سوادة ، حَدَّثَنَا مطرف بْن عَبْد الله ، حَدَّثَنَا نافع بْن أَبِي نُعَيْم ، حدَّثَنِي الأعرج ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْإيِمَان يزيد وينقص " . قَالَ الجوزقاني : هذا حديث حسن غريب ، تفرد بِهِ عَن الأعرج نافع . وقال ابن معين : هُوَ ثقة -أي نافع ثقة -، وتفرد عَن نافع مطرف . وقال أَبُو حاتِم الرازي : هُوَ صدوق" - أي مطرف صدوق -. انتهى

فقول الجوزقاني: هذا حديث حسن غريب دليل على أن جامع بن سوادة لم يكن وضاعا ولا كذابا ولا مجهولا، والرواية من طريقه ليست ضعيفة ولا موضوعة.

الرد

قلتُ: هذا الحديث كذب أفلا يكفيك فلم يكن هناك في زمن النبي هذه الألفاظ الإيمان يزيد وينقص! فكيف يتفرد جامع به وهو حديث في أصول العقيدة فأين البخاري وهو تلميذ مطرف من هذا الحديث وأين أئمة الدنيا والجهابذة وأين حوالي ثلاثين راوٍ من تلامذة مطرف الثقات من هذا الحديث؟ لن تجد، فكيف مرق هذا الحديث من بين كل هؤلاء الجهابذة وأخرجه لنا جامع بن سوادة عن مطرف في عصره دوناً عن غيره وهو رجل لم يوثقه أحد ولم يثبت صدقه أحد!، والنكتة أن المتقدمين وغيرهم نقلت أقوالهم إلينا ويقولون الإيمان يزيد وينقص وهنا حديث للنبي صلى الله عليه وسلم بإسناد نظيف كما زعم هذا الرجل وخفي على هؤلاء الجهابذة وغفلوا عنه وعرفه جامع لوحده

النقطة الثانية:

قال هذا الرجل: سنده صحيح وجامع بن سوادة هو أبو سليمان جامع بن سوادة الأزدي المصري، ذكره المزي و أبو سعيد القيرواني وابن عساكر وسكتوا عنه ولم يتناولوه لا بجرح ولا تعديل.

الرد: قلتُ هذا من أعجب ما قرأت لهذا الكاتب وهم مجرد ذكروهُ في ترجمة شخص آخر أن من تلاميذ ذاك الشخص هو أبو سليمان جامع بن سوادة الأزدي المصري وهذا شيء ستراه في ألوف التراجم لو راجعت كتب المزي وابن عساكر وفيهم المجاهيل والكذابون ولم يبيّنوا أحوالهم نظراً لأنها ليست ترجمة مخصوصة إنما حصر شيوخ وتلاميذ الراوي!

لكن لو افترضنا أنهم ذكروا "أبو سليمان جامع بن سوادة المصري" في ترجمة مخصوصة فأقول ماذا كان؟ هل أصبح ثقة؟ بلا شك لا، بل يبقى مجهولاً، لأن الراوي يجب أن يوثقه إمام على الأقل في الجرح والتعديل

النقطة الثالثة:

قال هذا الرجل: أبو سليمان جامع بن سوادة الأزدي المصري هو غير جامع بن سوادة الحمزاوي الذي ضعفه الدارقطني والذهبي وابن حجر تبعاً لهما وقال هذا الرجل: قال أبو بكر محمد بن إسماعيل الوراق حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد ابن محمد الفقيه حدثني ‌جامع ‌بن سوادة الحمراوي حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وابن عباس قالا: آخر خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخطب غيرها حتى خرج من الدنيا فقال: من مشى في تزويج بين اثنين حتى يجمع الله عزوجل أعطاه الله عز وجل بكل خطوة وبكل كلمة تكلم في ذلك عبادة سنة، صيام نهارها وقيام ليلها، ومن مشى في تعويق بين اثنين حتى يفرق بينهما كان حقا على الله عز وجل أن يضرب رأسه يوم القيامة بألف صخرة من نار جهنم.

الرد

قلت في كتاب الموضوعات لابن الجوزي "الحمراوي" بالراء المهملة بدل الزاي المعجمة، وأقول كلا لم تصب، بل كل الأدلة تدل على أنهما واحد وأنت الوحيد قلت هما اثنان لكي تهرب من الجرح الذي فيه وسنأتي لك بكنية الأخر أنه "أبو سليمان" وأنه "مصري" وبعض تلامذته وشيوخه أيضاً ومن الدارقطني نفسه وغيره أيضاً مما يدل على صواب قولنا إن شاء الله

فنقول تلميذ جامع هنا هو "أبو الحسن علي بن أحمد ابن محمد الفقيه" فمن هذا؟ قلت انقلب اسمه وقد نقل ابن حجر السند على الصواب وفيه "علِي بن محمد بن أحمد الفقيه" ولم يعرفه ابن حجر (لسان الميزان لابن حجر ت أبي غدة ج2/ص415) قلت وهو علي بن محمد بن أحمد الواعظ المعروف بالمصري ثقة من شيوخ الدارقطني وغيره، فالسؤال كيف عرفته أنا أنه هذا، أين الدليل؟

فأقول قال الخطيب في ترجمة علي بن محمد المصري الواعظ روى عنه محمد بن إسماعيل الوراق وهنا تلميذه في هذا السند هو أبو بكر محمد بن إسماعيل الوراق، هل هذا فقط؟ فأقول كلا وأخرج الذهبي في معجم الشيوخ الكبير ط الصديق (ج2/ص366) من طريق إبراهيم بن عمر الفقيه، نا محمد بن إسماعيل الوراق، نا علي بن محمد بن أحمد الفقيه، نا عمارة بن وتيمة. وأخرج الديلمي كما في الزيادات على الموضوعات للسيوطي ط المعارف (ج1/ص37) من طريق محمد بن إسماعيل بن العباس -هو أبو بكر الوراق- حدثنا علي بن محمد بن أحمد الفقيه حدثنا إسماعيل بن محمود النيسابوري. وأخرج الدارقطني في السنن ط الرسالة (ج4/ص502) نا علي بن محمد المصري، نا إسماعيل بن محمود النيسابوري. وأخرج ابن الجوزي في البر والصلة (ص53) من طريق أبي عبد الله بن دوست، قثنا علي بن محمد المصري، قثنا إسماعيل بن محمود النيسابوري. وأخرج عبد الغني المقدسي في الأمر بالمعروف (ص35) من طريق ابن رزقويه حدثنا علي بن محمد الواعظ حدثنا إسماعيل بن محمود أبو محمد -هو النيسابوري-. وأخرج المراغي كما في تنزيه الشريعة لابن عراق (ج2/ص149) حدثنا أبو بكر محمد بن إسماعيل بن العباس الوراق حدثني علي بن محمد بن أحمد الفقيه حدثنا بكر بن سهل الدمياطي. وأخرج الدارقطني في الرؤيا لله (ص98) حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد المصري، حدثنا بكر بن سهل الدمياطي. وأخرج أبو طاهر السلفي في المشيخة البغدادية ت المزيدي (ج1/ص480-481) من طريق أبي القاسم علي بن أبي عثمان، أنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الوراق إملاء، نا علي بن محمد بن أحمد الفقيه، نا محمد بن الحارث الخولاني بمصر. وأخرج ابن كليب في مشيخته ط جوامع الكلم (برقم 4) من طريق ابن قفرجل، قال: حدثنا أبو بكر (في الأصل "بن" تصحيف) محمد بن إسماعيل بن العباس -هو الوراق-، قال: حدثنا علي بن محمد بن أحمد الفقيه، قال: حدثنا محمد بن عقيل أبو سعد الفيريابي (تصحيف صوابه أبو سعيد الفريابي)، قال: حدثنا المزني إسماعيل بن يحيى. وقال السبكي في ترجمة محمد بن عقيل حدث عنه "علي بن محمد المصري الواعظ" (طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ج2/ص243)

فالحمد لله

قال البيهقي في شعب الإيمان ط الفكر (ج2/ص323) أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المصري، حدثنا جامع بن سوادة، حدثنا زياد بن يونس الحضرمي، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن رجل من ولد عبادة بن الصامت، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمر الله عز وجل بعبدين إلى النار فلما وقف أحدهما على شفتها التفت فقال: أما والله إن كان ظني بك لحسنا، فقال الله عز وجل: ردوه فانا عند ظن عبدي بي فغفر له.

وقال البيهقي في الزهد الكبير ط الكتب الثقافية (ص183) أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد المصري، ثنا ‌جامع بن سودة، ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب

وقال الدارقطني في العلل ط طيبة (ج13/ص20) حدثنا الحسين بن الحسين القاضي ابن الصابوني، وعلي بن محمد المصري، قالا: حدثنا ‌جامع ‌بن سوادة أبو سليمان، قال: حدثنا خالد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن سالم بن عبد الله، ونافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه صلى المغرب بعدما ذهب ربع الليل.

هنا كنيته ماذا؟ "أبو سليمان" وتلميذه من؟ هو "علي بن محمد المصري"، وشيخه هنا "خالد بن عبد الرحمن"

فعن أي جامع يتكلم الدارقطني إذا لم يكن هذا ولم لم يفرق بينه وبين الذي جرحه؟! فبان بهتانك سبحان الله بل هما واحد لا فرق في الأصل ولم يسبقك أحد

وقال أبو موسى المديني في اللطائف من دقائق المعارف (ص144) بتصرف أخبرنا عبد الكريم الصوفي، وغير واحد إذناً رحمهما الله، أن طلحة بن عبد الرزاق أخبرهم، أنا محمد بن إسحاق الحافظ، أنا أحمد بن مهران الفارسي بمصر، ثنا جامع بن سوادة المصري، ثنا خالد بن عبد الرحمن، عن سفيان الثوري، عن المغيرة. وقال خالد عن شيخ من النخع يقال له المغيرة، عن مالك بن أنس، عن هانئ بن حزام، وقال خالد: حرام أو حزام، قال: كنت عند عمر رضي الله عنه فجاءه كتاب عامل من عماله يسأله عن رجل وجد مع امرأته رجلا فقتله، فكتب إليه عمر رضي الله عنه في السر يعطي الدية. وكتب إليه: في العلانية قد منه. 

هنا شيخه هو خالد بن عبد الرحمن، وتلميذه هو أحمد بن مهران الفارسي وأخرج ابن منده في مجالس من أماليه (ص414) أخبرنا أحمد بن مهران الفارسي بمصر، أنا جامع بن سوادة المؤذن، أنا أبو زرعة وهب الله بن راشد، أنبا حيوة بن شريح، عن حماد بن عثمان من الأساورة، عن يونس بن عبيد، عن عبد العزيز بن صهيب، أنه سمع أنس بن مالك، يقول: «إن قوما من عرينة استاقوا إبل النبي صلى الله عليه وسلم فظفر بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم».

فهل نقول المؤذن غير الأزدي المصري؟! كلا، فلم يفرق أحداً بينهما في الأصل بل أنت الذي افترضت لكي تهرب وتقول ليس هو هذا أو ذاك، لكنك أدخلت حالك في مصيبة أخرى فقد جعلته مجهولاً البتة ثم اتهمتنا بالتجسيم! فلم لا تتهم جميع الأئمة بالتجسيم لأنهم لم يفرقوا وضلونا السبيل؟! الجواب لأنه في الأصل لا فرق بينهم حتى يفرقوا وأنت الوحيد الذي افترضت!

رواية أخرى لجامع بن سوادة عن مطرف

ابن عساكر في تاريخ دمشق ط الفكر (ج32/ص282) أخبرني أبو القاسم هبة الله بن عبد الله بن أحمد أنا أبو بكر الخطيب أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر -هو البزاز يعرف بابن زوج الحرة وثقه الخطيب- أنا محمد بن المظفر نا أحمد بن يحيى بن زكير نا جامع بن سوادة نا مطرف بن عبد الله نا الزبير بن سعيد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال قال حذيفة وكعب إذا ولي بنوك يعني الخلافة لم تخرج منهم حتى يدفعوها إلى عيسى عليه السلام.

وهذا خبر منكر! لم يتابع جامع فيه سوى أن حبيب كاتب مالك الكذاب رواه عن الزبير فكيف يتفرد جامع بإسناد كهذا فأين البخاري والنسائي وأبو داود وأحمد بن حنبل والعشرات من الأئمة المتقدمين من هذا الإسناد؟

هذا والله المستعان وبه العصمة