مدى صحة قال البخاري من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق ‌فهو ‌كذاب

مدى صحة خبر قال البخاري أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق، ‌فهو ‌كذاب، فإني لم أقل هذه المقالة، إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة

قال أبو عمرو أحمد بن نصر بن إبراهيم النيسابوري المعروف بالخفاف ببخارى يقول: كنا يوماً عند أبي إسحاق القرشي ومعنا محمد بن نصر المروزي، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل -يعني الإمام البخاري-، فقال محمد بن نصر: سمعته يقول: من زعم أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق، ‌فهو ‌كذاب، فإنى لم أقله. فقلت له: يا أبا عبد الله فقد خاض الناس في هذا وأكثروا فيه. فقال: ليس إلا ما أقول وأحكي لك عنه. قال أبو عمرو الخفاف: فأتيت محمد بن إسماعيل فناظرته في شيء من الحديث حتى طابت نفسه فقلت له: يا أبا عبد الله هاهنا رجل يحكي عنك أنك قلت هذه المقالة. فقال لي: يا أبا عمرو احفظ ما أقول: من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والمدينة ومكة والبصرة أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق، ‌فهو ‌كذاب، فإني لم أقل هذه المقالة، إلا أني قلت: أفعال العباد مخلوقة.

حكم الخبر: لا يصح وقال محمد شمس الدين شيخ معاصر وقد صحح هذا ابن تيمية والذهبي وكذلك السبكي وابن حجر والقسطلاني وغيرهم قلتُ سيأتي الكلام على هذا

وقد صح أنه سئل يعني البخاري عن اللفظ بالقرآن؟ فقال: سمعت عبيد الله بن سعيد أبا قدامة السرخسي يقول سمعت يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي يقولان أفعال العباد مخلوقة (انظر تخريجه في هذه المقالة)

وأما هذا فقد أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة ت الغامدي وت نشأت (الأثر 611) من طريق أحمد بن محمد بن حفص هو أبو سعد الخليل الماليني الهروي وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد ت بشار (ج2/ص354) ومن طريقه أبو علي الغساني الجياني في تقييد المهمل وتمييز المشكل ط عالم الفوائد (ج1/ص37) كلاهما من طريق الحسن بن محمد الأشقر كلاهما (ابن حفص والأشقر) عن محمد بن أحمد بن سلمة [وعند الخطيب: محمد بن أبي بكر] قال: ثنا أبو صالح خلف بن محمد بن إسماعيل قال: سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر بن إبراهيم النيسابوري المعروف بالخفاف ببخارى يقول: كنا يوما عند أبي إسحاق القرشي [وعند الخطيب: القيسي] فذكر الخبر.

- محمد بن أحمد بن سلمة هو أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل غُنْجار البخاري الوراق الحافظ ثقة وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ط الرسالة (ج12/ص457) وقد قال البخاري في الحكاية التي رواها غنجار في تاريخه حدثنا خلف بن محمد بن إسماعيل فذكر هذا الخبر بإسناده ومتنه

هنا نقل محمد شمس الدين وقال وقد صحح هذا ابن تيمية والذهبي وكذلك السبكي وابن حجر والقسطلاني وغيرهم. ثم نقل عن ابن تيمية قال "بِالْإِسْنَادِ الْمَرَضِيِّ"

قلتُ لا والله لا هو بمرضي ولا شيء والذهبي والسبكي لم يصححاها إنما أسردا الحكاية من غير تصحيح لها وإنما كان في مقام الاحتجاج أو نحوه!. وأما النقل الآخر عن الذهبي وهو ينقل عن البخاري "فقال: ما قلت: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، وإنما حركاتهم...إلخ" فسيأتي الكلام عليه وقلتُ من جهة أخرى هذا ذهول والله ولا أدري كيف سكت محمد شمس الدين ولم يتعقبهم وذلك أن في إسناده

- أبو صالح خلف بن محمد بن إسماعيل هو الخيام البخاري متروك ساقط قال الخليلي كان له حفظ ومعرفة وهو ضعيف جداً روى في الأبواب تراجم لا يتابع عليها وكذلك متوناً لا تعرف سمعت ابن أبي زرعة والحاكم أبا عبد الله الحافظين يقولان: كتبنا عنه الكثير ونبرأ من عهدته وإنما كتبنا عنه للاعتبار وقال الخليلي سمعت الحاكم أيضاً عَقِبَ حديث نهى الرسول عن المواقعة قبل الملاعبة خذل خلف بهذا وبغيره (الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي ط الرشد ج3/ص972-973)

فلم يثبت أحد صدقه ثم يرفض محمد شمس الدين رواية ابن كاس الحنفي في فضائل أبي حنيفة ويردها (انظر هذه المقالة) وهنا لا يتعقب ولا يدقق فأين التحقيق؟! وأبو صالح خلف الخيام نقل الغرائب والمناكير منها

1- سئل الفضل بن العباس الرازي، أيهما أحفظ، أبو زرعة أو محمد بن إسماعيل -يعني البخاري-؟ فقال لم أكن التقيت مع محمد بن إسماعيل، فاستقبلني ما بين حلوان وبغداد، قال: فرجعت معه مرحلة، قال: وجهدت الجهد على أن أجيء بحديث لا يعرفه فما أمكنني قال: وأنا أغرب على أبي زرعة عدد شعره (انظر تخريجه هنا)

وأبو زرعة الرازي جبل من جبال الدنيا في الحفظ ثم يقال غُرب عليه عدد شعره! قلت ولماذا لا يقال الخيام اخترع هذا لأن أبا زرعة الرازي ترك البخاري بعد أن بلغه قوله في اللفظ ولهذا حمل عليه صالح الخيام كما أن الثلجي كان يضع أسانيد في مَنْ ذم أبي حنيفة! فوضع على حماد بن سلمة لأنه تكلم في أبي حنيفة وعلى سفيان الثوري (انظر في هذه المقالة)

2- ومنها ذهبت عينا محمد بن إسماعيل البخاري في صغره فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل عليه السلام فقال لها: يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك أو كثرة دعائك فأصبحنا وقد رد الله عليه بصره (انظر تخريجه في هذه المقالة)


وأما قول الذهبي "وأما ‌البخاري، فكان ‌من ‌كبار ‌الأئمة الأذكياء، فقال: ما قلت: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، وإنما حركاتهم، وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة، والقرآن المسموع المتلو الملفوظ المكتوب في المصاحف كلام الله، غير مخلوق"

فلم أقف عليه بهذا اللفظ "ما قلت: ألفاظنا بالقرآن مخلوقة" فلعله معنى الحكاية وإنما قال أبو عبد الله البخاري في خلق أفعال العباد ت عبد الرحمن عميرة (ص47): سمعت عبيد الله بن سعيد يقول: سمعت يحيى بن سعيد يقول: ما زلت أسمع من أصحابنا يقولون: «إن أفعال العباد مخلوقة» قال أبو عبد الله -يعني البخاري-: حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة، فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس بخلق، قال الله: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} [العنكبوت: 49] وقال إسحاق بن إبراهيم: «فأما الأوعية فمن يشك في خلقها؟» قال الله تعالى: {وكتاب مسطور في رق منشور} [الطور: 3] ، وقال: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} [البروج: 21]، فذكر أنه يحفظ ويسطر. قال: {وما يسطرون} [القلم: 1].


ونقل محمد شمس الدين شيئاً آخر

ابن الجوزي في المنتظم ط العلمية (ج12/ص118) أخبرنا عبد الرحمن القزاز قال أخبرنا الخطيب أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا الحسن بن محمد الأشقر قال: أخبرنا محمد بن أبي بكر البخاري الحافظ قال: حدثنا أبو عمرو أحمد بن محمد المقرئ قال: سمعت بكر بن منير يقول: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أرجو أن ألقى الله سبحانه ولا يحاسبني أن اغتبت أحدا.

كان البخاري قد قال: أفعال العباد مخلوقة. فقلت له: قد قلت لفظي بالقرآن مخلوق. فقال: أنا لا أقول هذا، وإنما أقول أفعال العباد مخلوقة. فهجره محمد بن يحيى الذهلي، ومنع الناس من الحضور عنده، واتفق أن خالد بن أحمد الذهلي والي بخارى سأله أن يحضر عنده ليسمع منه الكتاب الصحيح والتاريخ فقال: أنا لا أذل العلم، إن أراد سماع ذلك فليحضر عندي. فاحتال عليه حتى نفاه من البلد، فمضى إلى خرتنك وهي قرية من قرى سمرقند على فرسخين منها، فتوفي هناك.

قلت "كان البخاري قد قال: أفعال العباد مخلوقة. فقلت له: قد قلت لفظي بالقرآن مخلوق. فقال: أنا لا أقول هذا، وإنما أقول أفعال العباد مخلوقة.....إلخ" ليس من السند إنما من كلام ابن الجوزي يرويه بالمعنى مع أن فيه "فقلت له" فإما مقحمة من النساخ أو هناك سقط أو خطأ فإن هنا ابن الجوزي يرويه من طريق الخطيب والخطيب رواه إلى قوله "غتبت أحدا" دون هذه الزيادة بعدها وقد روى هذا عن الخطيب أبو علي الغساني الجياني في تقييد المهمل وتمييز المشكل ط عالم الفوائد (ج1/ص37) مثله وليس فيه هذه الزيادة وقوله "كان البخاري..." يدل أنه مفصول عن المتن الذي قبله وهو نفس الحكاية من طريق خلف بن محمد الخيام

وأما ما بعده "فهجره محمد بن يحيى الذهلي، ومنع الناس من الحضور عنده، واتفق أن خالد بن أحمد الذهلي والي بخارى سأله أن يحضر عنده ليسمع منه الكتاب الصحيح والتاريخ فقال: أنا لا أذل العلم، إن أراد سماع ذلك فليحضر عندي. فاحتال عليه حتى نفاه من البلد، فمضى إلى خرتنك وهي قرية من قرى سمرقند على فرسخين منها، فتوفي هناك"

فكل هذا يرويه ابن الجوزي بالمعنى وأما أسانيدها فهما إسنادان إسناد فيه قصة خالد بن أحمد الذهلي وإسناده أنه مضى إلى خرتنك وإليك التفصيل

أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد ت بشار (ج2/ص355) ومن طريقه أبو علي الغساني الجياني في تقييد المهمل وتمييز المشكل ط عالم الفوائد (ج1/ص38-39) أخبرني الحسن بن محمد الأشقر، قال: أخبرنا محمد بن أبي بكر الحافظ، قال: سمعت أبا عمرو أحمد بن محمد بن عمر المقرئ يقول: سمعت أبا سعيد بكر بن منير بن خليد بن عسكر يقول: بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي ‌والي ‌بخارى إلى محمد بن إسماعيل أن احمل إلي كتاب الجامع والتاريخ وغيرهما لأسمع منك. فقال محمد بن إسماعيل لرسوله: أنا لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب الناس، فإن كانت لك إليّ شيء منه حاجة فاحضرني في مسجدي أو في داري، وإن لم يعجبك هذا فأنت سلطان فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة، لأني لا أكتم العلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار. قال: فكان سبب الوحشة بينهما هذا.

- محمد بن أبي بكر الحافظ هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل غُنْجار البخاري الوراق الحافظ ثقة

واما خرتنك فقد أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد ت بشار (ج2/ص354) ومن طريقه ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة ت العثيمين (ج2/ص258) وأبو علي الغساني الجياني في تقييد المهمل وتمييز المشكل ط عالم الفوائد (ج1/ص38) من طريق أبي الوليد الدربندي، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان، قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن سهل بن حمدويه، قال: حدثنا أبو العباس الفضل بن بسام، قال: سمعت إبراهيم بن محمد يقول: أنا توليت دفن محمد بن إسماعيل لما أن مات بخرتنك أردت حمله إلى مدينة سمرقند أن أدفنه بها فلم يتركني صاحب لنا فدفناه بها، فلما أن فرغنا ورجعت إلى المنزل الذي كنت فيه، قال لي صاحب القصر: سألته أمس قلت: يا أبا عبد الله، ما تقول في القرآن؟ فقال: القرآن كلام الله غير مخلوق. قال: فقلت له: إن الناس يزعمون أنك تقول: ليس في المصاحف قرآن ولا في صدور الناس. فقال: استغفر الله أن تشهد علي بشيء لم تسمعه مني، أقول كما قال الله تعالى: {والطور وكتاب مسطور} أقول في المصاحف قرآن وفي صدور الناس قرآن، فمن قال غير هذا يستتاب، فإن تاب وإلا فسبيله سبيل الكفر.

هذا والله أعلم

تعليق واحد

  1. سمعت ابن علي المخلدي ، سمعت محمد بن يحيى يقول : قد أظهر هذا البخاري قول اللفظية واللفظية عندي شر من الجهمية
    ما صحة هذا الخبر